الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

رجال عرفتهم - تحديث





عبد الرؤوف الروابدة

كنت عرفته وهو مسئول عن قسم الصيدلة في وزارة الصحة، ويعود الفضل إليه في تخفيض أسعار الأدوية في ذلك الوقت، وأبعد احتكار بعض أصحاب المستودعات عن العطاءات والتلزيمات مما كان سائداً في تلك الأيام.
كان المستشار الأمين لوزير الصحة عبد السلام المجالي فكان «وزير الظل»؛ كنا اعتدنا أن نراه في المناسبات أو في حفلات الإفطار في رمضان، حيث كان يطيب للبعض أن يسألوه عن الحالة العامة أو عن سياسه الوزارة فيجيبهم بصفة «نحن» نعمل ونحن سنقدم، قلت له أرى أن هذا التفخيم يليق بك أن تكون وزيراً.
وكنت كلما ترقى من منصب إلى آخر أذهب وأهنئوه وأدعو له أن يأتي يوم أرى فيه العلم يرفرف على سيارته وهكذا صار وسرني ذلك.
له شخصية نادرة فهو مستقيم طليق اللسان قوي في الحق سريع البديهة حاضر الرد والجواب ورغم كل مشاغله التي شغلها والتي لها علاقة بالناس وخاصة عندما أوجد فكرة عمان الكبرى فإنه كان يسيّر الأمور بهدوء وابتسامة ونظرة واقعية.
زرته مرة  لأخذ رأيه في بناء سأقيمه مقابل مستشفى الشميساني ليكون عيادات للأطباء. قال لي أن نظام ترخيص الأبنية يفرض في مثل هذه الحالة ضعف الارتداد، وأن الأرض التي سيقام عليها البناء ليست واسعة ولا تتحمل ضعف الارتداد، لكني على يقين أن البناء إذا أقمته سيخلص منطقة الشميساني الجميلة من مكب للنفايات على الأرض الذي لم يرضَ أحد أن يشتريها ويبنى فيها «فيلا» له لأنها مقابل المستشفى، وعلى هذا سأرخصها لك بناءاً سكنياً، ثم نعطيك الموافقة القانونية على تحويلها إلى عيادات.وهكذا بدأت العمل وأنهيته، لكنه صار وزيراً للأشغال وعندما هنأته قال لا تقلق على عمارتك فأنا متابع لموضوعك فإذا تقدمت إلى الأمانة بطلب تحويل استعمال العمارة ورفضوا، عليك أن تراجعني.
صار «علي سحيمات» أمين عمان الكبرى زرته وهنأته وذكرت له رأي الأمين السابق بإمكانية تحويل العمارة إلى عيادات طبية، قال لي نحن نكمل بعضنا بعضاً فطالما هو وعدك فأنا موافق وسأنفذ الوعد بالصورة القانونية بواسطة اللجنة المختصة، وهكذا صارت العمارة من أجمل العيادات في عمان. 

عبد الرؤوف عابدين

هو من أسرة كريمة من القدس التي بارك الله حولها، انتمى إلى القضاء العسكري بعد تخرجه وترقى إلى أن وصل إلى أعلى مسئول في تلك المديرية. كان ليناً عطوفاً يتدارس الموضوع بهدوء كي لا يظلم أحداً؛ وله في الضبط والربط العسكري ما يجعل أسلوبه في القضاء أن يكون ناجحاً.
له الفضل في بناء المحاكم العسكرية في ماركا فقد نقل المحاكم من «البراكسات» في الزرقاء إلى أجمل موقع في عمان دون ميزانية إضافية إذ وافقه قائد الجيش آنذاك على أن يموّل تلك المشاريع من اقتطاعات المحكومين ومن بعض المتبرعين، فصارت تلك المحاكم مفخرة في مسيرة القضاء العسكري؛ إذ لا بد للقضاء من «هيبة» تبدوا أول ما تبدو في بناء دار القضاء وقد اتفق المهندسون منذ الزمن القديم على أن يكون بناء المحكمة من شكل خاص يوحي بالعدالة والنزاهة فبنوا أكثرها وفي مدخلها العدد من الأعمدة وقيل إنها تكون سبعة أعمدة فخمة على عدد أيام الأسبوع. وفي القضاء العسكري لا بد من بوابة فخمة تفتح لتدخلها السيارات التي تحمل المتهمين وسيارات الحراسة؛ وهذا الشكل هو ما نشاهده في التلفزيون في صور محكمتنا العسكرية.
كذلك كان له الفضل على القضاة العسكريين إذ احتسبوا المدة التي يقضونها في القضاء جزءاً من فترة التدريب اللازمة ليصبح الحقوقي محامياً إذ كانت قبلاً مقصورة على الإدعاء العام والقضاء المدني.







على خريس

تعين في وزارة الشئون الاجتماعية بعد تخرجه من الجامعة مباشرة، وبقي يتدرج في مناصبها إلى أن صار وزير تلك الوزارة؛ هذا ما جعل منه الوزير المبدع في اختصاصه.
كنت طبيبه وطبيب أسرته منذ تزوج، ولذلك كان يراجعني بأولاده بانتظام ويحكي لي ما يفعل في وزارته وأنا أستمع إليه «مطروباً» لما يقوله.
كان آخر مشاريعه أن استأجرت الوزارة عمارة قريبة من عيادتي خصّصوها لإيواء أطفال الشوارع، فكانت العمارة كأنها «موتيل» لأولئك الأطفال فيها مشرف مسئول ويشترط أن يكون متزوجاً وينام في تلك العمارة ؛ وفيها طباخ ومراسل وخادمة إلى غير ذلك، وهكذا أحضر كل الأطفال الذين ليس لهم أهل أو أن زوج أمهم طردهم من بيته، وجنحوا إلى الشارع يفترشونه ليلاً بكل قذارته المادية والمعنوية؛ وتبرعت أنا بمداواتهم ومعالجتهم من أدوية الدعاية الطبية.
ولم تمضِ سنة حتى صار الأطفال يضاهون الأطفال الكثيرين ممن لهم أهل بصحتهم ونظافتهم، وقد عمل المشرف مشروعاً للأطفال الكبار إذ اشترى صناديق مسح الأحذية «البويجي» وعلّم بعضهم على ذلك العمل وخصص لكل واحد المكان الذي يثبت فيه والسعر الذي يأخذه من «الزبون» حيث يخبئه له في صندوق خاص لكل واحد، ومنهم من شغّلهم حسب ما ارتآى من ميولهم إما عند بائع خضار أو بائع ثياب أو اسكافي لتصليح الكنادر. وهكذا كنت أجد متعة عندما أزورهم ليلاً وأحضر لهم بعض الحلوى، وكل طفل يحدثني عن عمله.
مرة سألني «الوزير علي» عن رأي في ذلك المشروع، فاستحسنته، لكنه قال إنا سنواجه مشكلة عند ما يكبر الطفل الأكبر عمراً الآن، إذ لا نستطيع أن نبقيه بين الأطفال الصغار، ولذلك اقترح عليَّ أن نشكل لجنة خيرية اجتماعية نستأجر عمارة ليعود إليها أولئك الأطفال الكبار وينامون فيها لا أن يعودوا إلى الشارع، وقد يساهم الولد الذي يعمل بمبلغ بسيط بدل الخدمات والطعام، أما المشرف والموظفون فتُشرف عليهم وزارة الشئون الاجتماعية.
كان ذلك مخططاً جميلاً ووعدته أن أبدأ أنا بتشكيل جمعية صغيرة نبدأ ونستمر في إخراج ذلك المشروع الذي في ذهن الوزير وننقله إلى الحقيقة والتطبيق. ولكن للأسف وبعد ذلك الحديث بأشهر حصلت حرب 1967 وضاع الحلم والأمل.
سرني مرة وأنا أسير في طلعة الشابسوغ في طريقي إلى العيادة، أن قام «البويجي» الصغير وأغلق حنفية صهريج ماء فتحها الطلاب الخارجون من مدرسة الإمام علي وصار الماء يسيل على الشارع والسائق غير منتبه له؛ قلت في نفسي إن هذا من تباشير نجاح مشروع الوزير علي خريس.














محمد علي بدير

هو وجه عمان المنير، كان التاجر المثقف إذ كانوا قليلين في ذلك الزمن، بدأ عمله في إحدى الشركات الخاصة وطورها إلى أن صارت من أحسن الشركات وأثبتها في الأردن.
كان له الفضل الأكبر في تطوير شركة الكهرباء الأردنية المساهمة بعد أن كانت شركة خاصة يملكها بعض أهل الشام وتطورت برئاسته عمقاً وعرضاً حتى عمّ امتيازها محافظة العاصمة آنذاك، كانت الشركة في حينها مسئولة عن توليد وتوزيع الكهرباء وأقام الأبنية اللازمة لتوليد الكهرباء في أقصى مدينة عمان واستورد مولدات الكهرباء الضخمة ومنها مخلفات الجيش الثامن البريطاني في شمال أفريقيا ومن بعدها المولدات الضخمة التي وضعها في أقصى حدود محطة عمان، وهكذا عم نور الكهرباء كل بيت وغرفة في عمان وضواحيها وقراها، ثم نقلوا توليد الكهرباء إلى سلطة الكهرباء وبقيت الشركة مسئولة عن التوزيع.
أسس أكثر الشركات المساهمة الكبرى وكثيراً من الشركات الخاصة التي لها وجودها في الأردن وحتى في بعض البلدان العربية.
كان أحد المؤسسين الرئيسين والمتبرعين الكبار لمشروع الكلية العلمية الإسلامية وتبرع ببناء سورها على الأرض الذي تبرع بها عبد اللطيف أبو قورة وبذلك حفظ حدود المدارس الواسعة من أن ينهشها الطامعون؛ وانتهى مشروع الكلية بنجاح وصارت مفخرة من إنجازات عمل الخير بتعاون أغنياء المسلمين.
اتصل بي بعد حرب حزيران وقال إن عمال شركة الكهرباء يريدون أن تكون طبيب الشركة بعد أن هددوا بالإضراب مطالبين بتغيير الطبيب المعتمد لدى الشركة، ولخبرته الإدارية قال نحن نبقي طبيبنا وانتخبوا أنتم طبيباً آخر فيكون للشركة طبيبان يختار المريض لأيهما يذهب. سألني ما هي شروطك قلت له إنه يشرفني أن أكون في الشركة التي لك فضل في كل ما فيها، إنما أنا لست بحاجة إلى زيادة عدد المرضى وأن طبيب الشركة هو صديق أبي وزميلي وأحبه ويحبني، قال أنا أتفهم ما تقول ولكن هذا لا يؤثر على دخله وعمله، قلت اسمح لي أن أستأذنه أولاً، قال لا بأس، وفعلاً رحب الدكتور شاكر الزهار بفكرة رئيس مجلس الإدارة ورحب بي. اتصلت بالحاج محمد علي بدير وأبلغته قبولي بعد أن وافق الطبيب على ذلك قال لي وما هو شرطك: قلت أن يحافظ المراجعون من الشركة على نظام وأخلاق العيادة والمهنة فعليهم التقيد بالدور أو الموعد وعليهم أن يقبلوا بتشخيصي أو يرفضوه ولكني لن أكتب لهم العلاج الذي يريدونه لأهلهم ولن أكتب إجازة مرضية لغير مستحقيها. قال قبلت، وقل لي ما هو شرطي أنا قلت تفضل فكلي آذان صاغية قال «أنا قمتهم من ذمتي ووضعتهم في ذمتك» بلهجته الشامية. وهكذا أمضيت عمري الطبي معه ولم يتدخل أحد في عملي وكذلك كنت أول من ساهم بتنظيم التأمين الصحي للشركة فيما بعد.
كان صادقاً أميناً ولذلك كنت أساهم في كل شركة أسسها أو هو رئيس مجلس إدارتها. قال لي يوماً وكنت في زيارته إذا كان لديك وفر من مال «أشتري» به أسهماً في شركة ناجحة فالسهم عبارة عن سيولة نقدية تتصرف به متى تشاء ويعطيك ربحاً معقولاً وهذا خير من أن تبقيه في البنك وتدفع زكاته؛ وهكذا سمعت نصيحته فكان لي عدد من الأسهم في الشركات الناجحة أبيعها كلما ابتدأت بمشروع جديد.
كان شخصية اقتصادية اجتماعية، وقد أنتخب رئيساً لغرفة تجارة عمان العمر الطويل من حياته وكان صادق الوعد يحترم الصغير والكبير ولا يخالف القانون. أحبه الناس على اختلاف مذاهبهم وشخصياتهم.
عندما توفي «رحمه الله» ذهبت لمجلس العزاء في بيته فوجدت الازدحام شديد وكلهم من المحبين لا من المجاملين قلت لأولاده:
علو في الحياة وفي المماتِ


لعمري تلك إحدى المعجزاتِ

قيل هذا البيت في رجل مات وتجمع الناس حوله يبكونه؛ فخطر ببالي أن أعزي بذلك البيت من الشعر.

صبحي الحلبي ومحمود حتاحت

كان صبحي الحلبي من أكابر وجهاء أهل الشام في عمان ومن أكابر تجارها وكان يربطه بالملك عبد الله علاقة محبة ووفاء وكان يشعر بالفخار كلما حدثني عن أمر من أمور محبته لمليكه، وهو بذلك صديق رئيس الدولة أيا كان اتجاهه السياسي، وكان يقوم بكثير من الواجبات الاجتماعية التي على وجيه القوم أن يقوم بها، فمثلاً يدعو رئيس الوزراء الجديد إلى غذاء، ويدعو كل من كان مسئولاً على شرفه، ويدعو كل من عاد من الحج أو عاد من دراسته الجامعية وهكذا كان وجهاً معروفاً ومحبوباً ولا يتدخل في الأمور السياسية أو الحزبية بل له تجارته الواسعة والناجحة. أتاني مرة وقال قررنا نحن بعض التجار أن نستورد «مواسير» المياه من الهند ومقدارها حمولة باخرة هناك وقد حسبت حسابك بمبلغ عشرة ألاف دينار، شكرته واعتذرت إذ إني لست تاجراً ولا أحب أن أشغل بالي بذلك، قال إذا لم يكن المبلغ متوفراً معك فأقرضك ذلك، قلت المبلغ متوفر والحمد لله ولكني قررت منذ بدء عملي الطبي أن لا أشتغل بالتجارة ولا بالأحزاب ولا بالسياسة، وشكرته على شعوره نحوي.
بعد سنة من ذلك أتاني وقال لي أنا بحكم أني عضو في مجلس أمانة العاصمة علمت أنهم سيهدمون العمارة التي أنت فيها إذ كانت واقفة لوحدها فإذا هدموها فإن ساحة الأمانة ستتوسع كثيراً والعمارة قديمة، واستمر قائلاً لذلك اشتريت لك العمارة التي مقابل عيادتك لتنقل إليها عندما يبدأ التنفيذ، وقد دفعت عنك نصف ثمنها عربوناً وعلينا أن ندفع كامل السعر عند التسجيل العقاري؛ وقال إذا لم يكن المبلغ متوفراً معك فسأدفعه كاملاً عند التسجيل، قلت والحمد لله المبلغ متوفر بكامله، وفعلاً دفعت المبلغ كاملاً عند التسجيل وانتقلت ملكيتها إلى اسمي، وهي «الحمد لله» من «أطيب» استثماراتي العقارية وأولها.
نويت أن أبني عمارة نسكنها في الشميساني، وبعد أن أنهيت مراحل الهندسة والتسجيل وكل ما يسبق البناء استشرت صبحي الحلبي وكان تاجر «مواد بناء» قال لي أنا عندي صنف الحديد والأسمنت.
أما جاري محمود حتاحت فعنده كل ما قد يلزم؛ وناداه وأنا عنده وكنت أعرف محمود إذ كان من خيرة شبابنا التجار شكلاً وموضوعاً فكان جميل الطلعة باسم الثغر، يلبي حاجة من طلبه، قال له صبحي أريدك أن تعطي... كل ما يلزم دون أن تحاسبه إلا كما يشاء فقال له أمرك مولاي؟؟.
سألني كيف تدفع ما تسحبه قلت شهرياً، إنما أرسل لك مع «المراقب» كل ما يحتاجه وذلك على وصفة طبية وبتوقيع مني، وقلت مازحاً نحن الأطباء لنا خصم في الصيدليات مقداره 15% وكان ذلك فعلاً ولكنه الغي الآن- فكم خصمي في صيدليتكم، قال أكثر من ذلك ولكن لا أريد أن يطلع أحد على مقدار ما أخصمه لك إذ إن الخصم التجاري المعمول به عادة 5%. قلت قبلت، وانتهت العمارة وسددت شهرياً كل ما كان عليها، وانتقل الاثنان إلى رحمة الله ولا أعلم حتى الآن كم كان الخصم وكنت مرتاحاً جداً بتلك المعاملة.










مهيب الخياط

عرفته عندما صار مديراً للخط الحديدي الحجازي الأردني الذي كنت أنا طبيبه؛ وكان اسمه يسبقه في أي مكان في المجتمع الأردني، فهو ابن الأسرة النابلسية العريقة وهو الأنيق المبتسم دائما، يتحدث بصوت خافت يحسن المجاملة وأدب الحديث ولا يستعمل «الكرافة» بل يضع «البوبيون».
حدث بعد أن التقينا لأول مرة وتعارفنا قلت له كنت أنوي الاستقالة من عملي لأتفرغ لعيادتي الخاصة، قال أنا لا أقبل فهو سمع عني كما سمعت عنه ووعدته أن أبقى طالما هو باق في إدارة الخط وصرت صديق العائلة وطبيبها.
تعلمت منه أمرين:
أولهما- إذا كتب أحد أو مجموعة ضد أحد المسئولين أو زملاء المهنة فإنه يرسل ذلك الكتاب «الضِّرار» إلى الذي شكوا عليه ليجيبه ثم يتصرف.
ثانيهما- إذا أتاه أحد يشكو على زميله أو يتهمه بأمر ما، فإنه يبقي الشاكي عنده ويستدعي المشتكي عليه ويقول له إن زميلك الذي هو بيننا شكا عليك بما يلي وعليك أن تجيب.
وأما إذا كانت الشكوى بدون توقيع فإنه يمزق الورقة ولا ينظر في محتويات ما كتب فيها.
وهكذا انتهت الشكاوي في سكة الحديد حيث كانت تزعج المسئولين، وكثيراً ما كانوا يتعدون المدير ويرسلونها إلى أي مسئول أعلى أو إلى الصحف ولا يقبل الإجابة عليها.
أعجبني ذلك الأسلوب وسألته من أين تعلمت ذلك، قال تعلمته من السيد «فلان» وكان رجلاً إنجليزيا ًحاكم المنطقة التي توظف فيها مهيب مساعداً عربياً له، صار ذلك الإنجليزي وزير خارجية بريطانيا وكذلك مندوبها الدائم في الأمم المتحدة.
وعملاً بمبدأ اقتباس الطيب من الطيبين اقتبست تلك الفكرة وطبقتها في مستشفى الشميساني عندما كنت رئيس مجلس الإدارة، فقد وصلتني أول شكوى فأرسلتها إلى المشتكي عليه إنما أزلتُ الاسم وأفهمت الجميع أن الشكوى التي تصلني من فرد أو مجموعة سأعيدها إلى المشتكي عليه ليجيب وفيها اسم الشاكي وبعدها لم تصلني أية شكوى إنما كانوا يرسلونها إلى الشركاء أو أحد أعضاء المجلس ولا أقبل البحث فيها.
أشهد أنه كان شخصية قليلة المثال محبوباً للجميع ويكاد يكون أحد القلة من الناس الذين ليس لهم أعداء؛ وقد ورِث ابنه «د. ياسين الخياط» جميع صفات أبيه ما عدا «ربطة البوبيون».
بعد أن أنهيت هذا الموضوع تشكلت وزارة «عوني خصاونة»، اختاره الملك ليكون وزيراً للبيئة بعدما أتقن عمله مديراً «للمواصفات والمقاييس».












أمين شقير

هو وجه شامي أردني وضّاء من أهالي عمان، جميل الطلعة لا يُرى إلا باسماً، كنت قبلاً أعرفه معرفة سطحية فقد كان من أوائل الصيادلة الذين أسسوا صيدلية في عمان، وكانت صيدليته على طريق مدرستنا ثانوية عمان، وكان له مستودع أدوية ناجح فقد كان يحسن انتقاء الموظفين الذين يعملون في مشاريعه ويُحسن إكرامهم. أسس الشركة العربية لصناعة الأدوية مع بعض رفاقه الصيادلة وكانت من أنجح شركات صناعة الأدوية في العالم العربي إذ كانوا يحسنون انتقاء ما سيصنعونه من دواء يحتاجه الناس يومياً فتكون أرخص من مثيلاتها في الخارج ولا تختلف عنها جودة، فقد كانوا يشترون المواد الخام من أحسن الشركات الصانعة لخامات الكثير من الأدوية.
زارني مرة في العيادة عندما افتتحتها في وسط عمان وفي سياق الحديث حدثني عن الشركة العربية لصناعة الأدوية وكان فخوراً بها، وسألني هل اشتريت من أسهمها عندما عُرضت في السوق قلت لا، فإن الأدب الطبي الذي درسناه في جامعتنا يُحرم على الطبيب المشاركة أو المساهمة في صيدلية أو مستودع أدوية. عندها قال لي إن هذه الشركة هي شركة مساهمة عامة وليس ما يمنع من أن يشتري أي واحد من الناس أسهماً فيها ولو كان طبيباً وخاصة إذا كانت ناجحة كشركتنا؛ وبعد يومين أرسل لي الموظف المسئول عن قسم المساهمة في الشركة عارضاً عليَّ ألف سهم يريد أن يبيعها أحد المساهمين فشكرته وأعطيته شيكاً بالمبلغ المطلوب، وهكذا بدأت بتلك الأسهم وانتهى الأمر بشرائي عشرات الآلاف من الأسهم.
كنت أزوره في مكتبة كلما راجعِتُ المهندس «حسن النوري» الذي كان يُشرف على عماراتنا في الشميساني إذ كانت مكاتبهما في نفس العمارة، وكنت كثيراً ما أرى عنده الصيدلي تيسير الحمصي الذي كنت أعرفه حق المعرفة منذ كنا في ثانوية عمان وكان في صف أخي الأكبر فكنا نعود إلى ذكريات المدرسة.
كان يؤمن بالديمقراطية ويؤمن بالعمل الحزبي وقد وصل إلى قمة أحد الأحزاب القومية، ولا يؤمن بالانقلابات العسكرية ولا بالصراعات الدموية نتيجة الاختلاف في الرأي والمنهج.
بنى منزله على نمط قصور الشام التي بنيت قبل قرنين، ودعاني ودعا غيري إلى الاحتفال به عندما سكنه. فكان كقصر «آل خزنة كاتبي» في القميرية في دمشق «وقصر العظم» في وسط دمشق وله إطلالة جميلة جداً على حوض البقعة وأصبح قصره معلماً حديثاً من معالم عمان في حضارتها.
في فكري الكثير عن أمين شقير ولكني اكتفي بأن أقول أن الشركة العربية لصناعة الأدوية انتهت بانتهاء حياته. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق